نظرية الجشطلت
نظرية الجشطلت في التعليم

نظرية الجشطلت: مفهومها، أمثلة عملية، وتطبيقاتها التربوية

تناول علماء النفس التعلّم و أفردوا له النظريات و ذلك لأهميّته؛ إذ أن كل التطورات الإنسانية تنغلق على وظيفتين و هما أولا النضج أي النمو الفسيولوجي و ثانياً التعلم. و كذلك فإن كل الفضاءات التي يدخل في إنسان و ما يواجهه فيها من مشاكل فلابُد من إرتباطٍ لها بالتعلّم، و من ذلك تعليمه لأطفاله و تحليله لمشاكله اليومية و تعامله معها و تطويره لنُظم الحكم فإن كل هذه الأمور ترتبط بالتعلّم.

و ظهرت أسماءُ كبيرة من مذاهبَ فكرية مختلفة في هذا الحقل أسست لنظريات متباينة و متعدد، كالنظرية التطورية التي أنشأها تشارلز داروين و فيشر و لويد مورغن و ويتمان وكريج و آخرون، و النظرية البنائية لبياجيه، و نظرية الاشراط الكلاسيكي لبافلوف، و كذلك النظرية الجشطلتية.

النظرية الجشطلتية

تُعتبر نظرية الجشطلت تياراً فلسفيا و كذلك تيارا يخص علم النفس إذا أنها تُقيم صلات فلسفة وحدانية للطبيعة، و يرجع ظهور المدرسة الجشطلتية تاريخيا إلى كونها مُضادة لمدرسة الارتباط التحليلي التي تعتمد منهج التجريب، و التي اسهبت و غالت في إعتمادها على التجربة و مناهج التحليل الرياضي كبُرهان على صحة ما يُتوصل إليه من نتائج .

و قد اعتمد علماء و متبنو النظرية و المنهج الجشطلتي المنهج الفينومينولوجي ” التحليل الكيفي للخبرة ” في دراساتهم ، و اعتبروا أن ذلك يحد من مغالاة الارتباطيين على التجربة دلالةً على الصحة و كون التكرار الرياضي ذو قيمة كشف . و قد ظهرت هذه النظريو و تبلورت على يد عدد من العلماء و هم بافلوف كوهلر و كورت كوفكا و ماكس فريتمر و كيرت ليفين.

مفهوم نظرية الجشطلت

نظرية الجشطلت، والتي وضعها العالم النفسي الأمريكي جورج كيلي، تركز على فهم الاستجابات والتفاعلات الفردية تجاه المحيط الاجتماعي والتعلم. تقوم النظرية على فكرة أن الأفراد يقومون بتحديد وتفسير الأحداث بناءً على تصوراتهم الشخصية وتجاربهم السابقة. بمعنى آخر، يشير مصطلح “الجشطلت” إلى الطريقة التي يستخدم بها الفرد لتفسير وتحليل العوامل المحيطة به.

كيفية تطبيق النظرية الجشطلتية في التعليم

يؤكد علماء النظرية الجشطلتية على الاستبصار كموجّه أولي للتعلُّم و يشددون على ضرورته، و الاستبصار هو تكوين الفهم متكامل للشيء أو إكتمال صورة الإنطباع الصادق عنهُ . و هنالك عشر إفتراضات وضعها علماء النظرية الجشطلتية لتكامل عملية التعلّم و يكون بوجودها تطبيق النظرية في التعليم.

  • نجد أولاً فرضهم و قولهم بأن التعلّم يعتمد على الإدارك الحسّي و ذلك أن تذكّر شيء و تعلمه يُقدم بطريقة محسوسة و يُدرك بالحواس.
  • ثم ثانيا طيّهم للعلم على إعادة التنظيم، و يكون ذلك بإعادة التنظيم الإدراكي للمُشكل أو لما يُتعرَّض له بتنظيم ما هو مختلط او متشابك و ترتيبه و فك ريبته .
  • ثالثاً يرى علماء هذه النظرية أن التعلم يُعطي القدرة لما نتعلمه و يكون جوهر التعلم في معرفة العلاقات الداخلية للشي.
  • رابعا فإنَّهم يرون أن الاستبصار يتجنب الاخطاء الفنّية فلا يقعُ فيها من يكون مدركا لخصائص الإشكال و الخطأ الداخلية و علاقاته و بِنيته .
  • الفرض الخامس هو أن التعلم يعنى بالوسائل و النتائج، فلو أنك قصدت الحفظ فقط من دراستك فإن النتائج التي تتوصل إليها لن تبقى لمدة طويلة مقارنة بالتخطيط البارع و الذي يكون في هذه الحالة بالفهم.
  • الفرض السادس هو أن الفهم يمكن أن ينتقل إلى مواقف جديدة، و من ذلك فإنّ ما يُفْهم لا يكون قاصراً فقط على موقف محدد بل يتعداه الى المواقف الأخرى المناسبة و هذا عكس ما يُحفظ الذي يُحجر فقط على المادة المحفوظة ولا يتجلى فيه فهم للمُجريات الداخلية للموقف .
  • أما الفرض السابع فهو أن التعلّم الحقيقي لا يُنسى، فإنَّ ما يُتَعلّم بالإستبصار يبقى لمدة أطول مما يُتعلم بالحفظ – الذي تبدأ عملية نسيانه فور حفظه.
  •   الفرض الثامن لهذه النظرية أن الحفظ عن ظهر قلب ليس ببديل للفهم، إذ أنّ الفهم كما أسبقنا بالقول يُمكّن من التعامل مع المواقف و معالجتها بصورة أدقَّ و أيسر من الحفظ.
  • الفرض التاسع الذي تسوقه هذه النظرية في مجال التعلّم أن الاستبصار هو مكافأة التعلّم به، إذ يُحقق الرضا و هو الخبرة الأهم فلا يجب أن يكون هنالك – وفقا للنظرية – مكافآت مادية على التعلّم مثلا و غيرها من الدرجات العالية التي قد تحيد بالمتعلم من الاستبصار و غاية التعلّم.
  • أما الفرض العاشر و الأخير هو أن التشابه يلعب دوراً حاسماً في الذاكرة، و يكون ذلك بين الخبرات السابقة و الخبرات اللاحقة و المعارف المكونة في الأولى.

نجد أنّه بتطبيق هذه الفروض على العملية التعليمية تكون قد تنزّلت النظرية الجشطلتية على التعليم الذي يضحو في هذه الحالة معتمدا على الفهم و التركيز مع الإشكال و تملّك مفاتيح العلاقات الداخلية للمادة المُتَعلَّمة، و عدم إدخال الماديات كمُحفزات للتعلم الأمر الذي يُنزّل من قيمة الاستبصار. و كذلك تمليك ادوات التعامل مع المواقف بالفهم لا بالحفظ ما يُسهل التعامل معها و قياسها على غيرها من المواقف.

التطبيقات التربوية لنظرية الجشطالت

تطبيقات نظرية الجشطلت في المجال التربوي تعتبر ذات أهمية كبيرة لفهم العوامل التي تؤثر على تعلم الطلاب وتفاعلهم مع البيئة التعليمية. فيما يلي تفاصيل إضافية حول بعض التطبيقات التربوية الفعّالة لنظرية الجشطلت:

  1. تحليل تصورات الطلاب: يمكن للمعلمين تطبيق نظرية الجشطلت من خلال فحص وتحليل تصورات الطلاب حول المواد التعليمية. يتيح ذلك للمعلمين فهم كيف يرى الطلاب المفاهيم والأفكار، وبالتالي يمكن تخصيص الدعم وتوجيه التعليم بشكل أكثر فاعلية.
  2. تعزيز التفكير الناقد: يساعد تطبيق نظرية الجشطلت في تعزيز التفكير الناقد لدى الطلاب، حيث يتمحور الأمر حول تحليل وتفسير الأحداث والمعلومات. يمكن للمعلمين تشجيع الطلاب على التفكير بطرق مختلفة وتحليل الوضع من منظور متعدد.
  3. إدارة الفعاليات التعليمية: يمكن توظيف نظرية الجشطلت في تصميم الفعاليات التعليمية بطريقة تتيح للطلاب فرصًا لاستكشاف وتفسير الفهم الشخصي. يمكن تضمين أسئلة تشجيعية تحفز التفكير الذاتي وتعزز الفهم الفردي.
  4. تحسين التواصل مع الطلاب: من خلال فهم تصورات الطلاب وتطبيق مفاهيم الجشطلت، يمكن للمعلمين تحسين التواصل مع الطلاب. فهم كيفية تفسير الطلاب للمعلومات يمكن أن يسهم في بناء علاقات تعليمية قائمة على التفهم والتواصل الفعّال.
  5. تعزيز الاستقلالية التعليمية: يمكن للتعليم بناءً على نظرية الجشطلت تعزيز الاستقلالية التعليمية لدى الطلاب. من خلال تشجيع الطلاب على تطوير استراتيجياتهم الخاصة للتعلم وتحليل الوسائل التي يعتمدون عليها لفهم المفاهيم.
  6. تعزيز التحفيز والإشراك: باستخدام نظرية الجشطلت، يمكن تحديد ما يحفز الطلاب وكيف يمكن تحفيزهم بشكل أفضل. ذلك يمكن أن يشمل تخصيص المهام التعليمية بناءً على اهتمامات الطلاب وتفضيلاتهم الشخصية.

ملخص نظرية الجشطلت

في نهاية المطاف، تعتبر نظرية الجشطلت إضافة ذكية إلى مجال التربية، حيث تساعد في فهم تفاعلات الأفراد مع البيئة التعليمية. من خلال تكامل مفاهيم الجشطلت في الممارسات التربوية، يمكن تعزيز تجربة التعلم للطلاب وتحسين فعالية العملية التعليمية بشكل عام.

شاهد أيضاً

استراتيجية العصف الذهني

استراتيجية العصف الذهني: كيف تُعزِّز التفكير الإبداعي وتُحسّن التواصل في التعليم؟

استراتيجية العصف الذهني في التدريس هي عبارة عن تقنية تهدف إلى تحفيز التفكير الإبداعي وتعزيز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *